ادعمنا

الحزب الديمقراطي الأمريكي - United States Democratic Party

 تعد الأحزاب كيانا طوعيا داخل الدول الديمقراطية التي تؤمن بالتعددية وحرية التعبير. ويضم الحزب ويشمل أفرادا دون تميز عرقي أو ديني يؤمنون بالمبادئ نفسها، ولا ينظرون نظرة إقصائية لغيرهم من الأحزاب. وهو وسيلة وأداة سلمية للوصول إلى السلطة. والحزب الذي لا يؤمن بتداول السلطة السلمي عبر الانتخابات، ويتخذ من العنف سبيلا لتحقيق غايته؛ يستحيل معه تطبيق الديمقراطية. وستتطرق هذه الورقة البحثية لموضوع الأحزاب السياسية بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تسير وفق نظام الحزبين على غرار معظم الدول الأنجلوساكسونية. وستحاول، تحديدا، كشف النقاب عن الحزب الديمقراطي الأمريكي وعن تاريخ نشأته وإنجازاته التي قام بها.

 

1- مفهوم الحزب السياسي:

يعرف بنيامين كونستونت Bengamin Constont الأحزاب السياسية بأنها " جماعة من الناس لها اتجاه سياسي معين "  أما جون جيكال واندري اوريو Jean Giquel et André Hauriou فيعرفانه بقولهما :" إن الحزب تنظيم دائم يتحرك على مستوى وطني ومحلي من أجل الحصول على الدعم الشعبي، ويهدف للوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة " ويرى جورج بيردو G.Burdeau الحزب السياسي بأنه:" كل تجمع بين الأشخاص يؤمنون ببعض الأفكار السياسية ويعملون على انتصارها وتحقيقها، وذلك بجمع أكبر عدد ممكن من المواطنين حولها والسعي للوصول إلى السلطة، أو على الأقل التأثير على قرارات السلطة الحاكمة"  في حين يعرف لاسويل وكابلان الحزب السياسي " بأنه مجموعة من الأفراد تصوف القضايا الشاملة وتقدم مرشحين في الانتخابات" 

ويضع فرانسوا بوريلا François Borella " ثلاثة عناصر لابد من وجودها في كل حزب سياسي وهي :

- مجموعة منظمة من الأفراد قادرة على التعبير عن مطالبهم.

- وجود مجموعة اقتراحات تمس سياسة الحكومة.

- وجود نشاط يهدف إلى السيطرة على السلطة وممارستها .

ويعرف سليمان الطماوي الأحزاب السياسية بأنها " جماعة متحدة من الأفراد، تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم، لتنفيذ برنامج سياسي معين"  أما رمزي طه الشاعر فيعد الحزب السياسي بأنه " جماعة من الناس لهم نظامهم الخاص وأهدافهم ومبادئهم التي يلتفون حولها ويتمسكون بها ويدافعون عنها، ويرمون إلى تحقيق مبادئهم وأهدافهم عن طريق الوصول إلى السلطة أو الاشتراك فيها "  في حين تركز سعاد الشرقاوي في تعريفها للحزب على الجانب التنظيمي  وتعرفه " بأنه تنظيم دائم يتم على المستويين القومي والمحلي يسعى للحصول على مساندة شعبية بهدف الوصول إلى السطلة وممارستها من أجل تنفيذ سياسة محددة"   ويعرف إيهاب زكي سلام الحزب السياسي بأنه " مجموعة منظمة تهدف إلى المشاركة في وظائف المؤسسات للوصول إلى السلطة وجعل أفكارها ومصالحها الشخصية متميزة" 

ويشترط انطونيو غرامشي Ontonyo Gramshi  لقيام حزب سياسي تظافر عناصر ثلاث :

١- عنصر واسع الانتشار يشمل رجالا عاديين يشاركون بانضباطهم وبإيمانهم.

٢- عنصر التلاحم الرئيسي الذي يمركز كل القوى في المجال القومي ويجعلها فعالة.

- العنصر الأوسط الذي يربط الأول والثاني ربطا ماديا ومعنويا، ولكل حزب نسب محددة بين هذه العناصر الثلاثة، ويتوصل الحزب إلى فعاليته القصوى بتحقيق " النسب المحددة"، فإذا توفرت هذه الشروط أمكن القول باستحالة القضاء على الحزب بالطرق العادية"  

 

2- النظام الحزبي بالولايات المتحدة الامريكية: 

تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بنظام فدرالي قائم على الفصل بين السلطات، يمنح مساحة كبيرة للمواطنين للتعبير عن آرائهم من خلال الانتخابات. ويتفرد هذا النظام بكونه لا يسمح لأي شخص تولي منصب تنفيذي وآخر تشريعي أو قضائي؛ باستثناء نائب الرئيس الذي يتولى أيضا منصب رئاسة مجلس الشيوخ، ووظيفتيه لا تتعدى الرئاسة والإدلاء بصوته في حالة تعادل الأصوات بين الحزبين .

وتلعب الأحزاب السياسية دور الوسيط بين الشعوب والحكومات أو صناع القرار. والولايات المتحدة الأمريكية مثلها مثل باقي الدول، تقوم على نظام حزبي، ينظم العلاقة بين الحكومة والشعب، ويحرص على تحقيق الاستقرار والأمن السياسيين. فالأحزاب السياسية لم تظهر في الولايات المتحدة عند صياغة الدستور وإقراره في أواخر القرن الثامن عشر، وإنما تشكلت الأحزاب السياسية بعد ممارسة الحكومة أعمالها ونتيجة للسياسات التي اتبعها الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن.

وقد "تزامن نشوء النظام السياسي الأمريكي بالأساس مع الصراع بين حزبين  كبيرين هما الحزب الديمقراطي  Democtratic Party  والحزب الويجز Wighs Party (حزب الأحرار ) إذ بقي لمدة وجيزة، وتكون بعد انهياره ما يعرف(الحزب الجمهوري) Republican Party والذي يعد أحد الحزبين الرئيسيين .." .

وتعود بدايات النظام الحزبي في الولايات المتحدة إلى فترة الصراع في المستعمرات في مرحلة ما قبل الاستقلال عام 1776 بين المؤيدين للمصالح البريطانية والذين عُرفوا بالمحافظين، وبين أنصار الحكم الذاتي وسموا بالأحرار. وبعد الاستقلال ظهر الصراع بين الاتحاديين ومعارضيهم المنادين بالحكم الذاتي.  وقد "حدد انقسام الأيديولوجيات والسياسات بين الفدراليين والديمقراطيين- الجمهوريين ملامح المشايعة الحزبية خلال السنوات الأولى من عمر الجمهورية الأمريكية "

عرفت بداية القرن التاسع عشر انتماءات وولاءات حزبية متقلبة وغير مستقرة، إلى أن غلب جاكسون، مرشح الديمقراطيين الجمهوريين، على الرئيس آدمز، مرشح الديمقراطيين الوطنيين. وبهذا الانتصار حصد جاكسون غنائم المعركة لصالح ما سيعرف لاحقا بالحزب الديمقراطي، مستأثرا بمناصب حكومية مهمة، طاردا أنصار آدمز منها. 

وبعد هذا المخاض الذي عرفته الساحة السياسية الأمريكية، وفي ظل أوضاع الرق وتبعاته، خلت الساحة الانتخابية لحزبين كبيرين هما الحزب الديمقراطي والجمهوري، " منذ ذلك الحين، لم يفز بالرئاسة متسابق من أي حزب آخر، ولم يكسب أتباع أي حزب آخر وضع الأغلبية في الكونغرس، لمن هذا لا يعني أن السياسة الحزبية ظلت هامدة على مدى 150 سنة؛ فالقضايا تمايزت حيالها استجابة الحزبين وتشكيلات ائتلافهما الانتخابية تغيرت مرارا وتكرارا." 

ومما سبق نستشف أن النظام الحزبي في الولايات المتحدة قائم على نظام ثنائي من خلال تداول السلطة بين حزبين رئيسيين، حيث يسيطر الجمهوريون والديمقراطيون على السياسات الانتخابية منذ ستينات القرن التاسع عشر، ولم يطرأ أي تحول على هذا النظام ليصير نظام تعددية حزبية رغم كون المجتمع الأمريكي، يتسم بطابع المتناقضات بسبب تركيبه السياسي والديني والاقتصادي.

 

3- الحزب الديمقراطي الأمريكي:

إن الحزب الديمقراطي يعد أحد أقدم الأحزاب السياسية التي ظهرت على الساحة السياسية الأمريكية منذ السنوات الأولى من نشأة الجمهورية. و "تعد سنة 1792م هي الانطلاقة الأولى لتشكيل الحزب الديمقراطي الأمريكي ليكون بعد فترة وجيزة أبرز الأحزاب على الساحة السياسية الأمريكية وكان لشخص  توماس جيفرسون جور بارز في ظهور الحزب .."  فوصول الديمقراطيين إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، كان مع الرئيس جيفرسون الذي تولى منصبه ذاك أثناء الحروب المدمرة التي كانت تخوضها الدول الأوروبية خلال القرن التاسع عشر؛ إلا أن " حكمة جيفرسون وحزبه استطاع أن يجنب الولايات المتحدة الدخول في معمعة تلك الحروب، بحيث اتبع سياسة واشنطن الحيادية وتأول في تفسير الدستور ليجنب البلاد ويلات الحرب." فبعد تولي الحزب الديمقراطي مقاليد الحكم في الولايات المتحدة "كانت له وجهة نظر أخرى في التعامل مع هذه الدول  ومن بين الانجازات التي تحسب للحزب الديمقراطي إضافة إلى باقي الانجازات الأخرى ، خلال فترة رئاسة توماس جيفرسون، " هو شراء مقاطعة لويزيانا وهو بحق أعظم حادث في التاريخ الأمريكي كونه أضاف أراضي جديدة إلى أراضي الاتحاد تقدر مساحتها بقدر مساحة الولايات الثلاث عشرة التي قادت حرب الاستقلال ..." 

وسطر هذا الحزب أهدافا سعى لتحقيقها طوال تاريخه نضاله الانتخابي والسياسي. ومن أولى أولويات الحزب الديمقراطي هو استيعاب المبادئ الديمقراطية " والأساسية في الدستور وجعل الحكم في الولايات المتحدة جمهوريا يستند إلى القوى الشعبية التي تعد أساس نشأة الحزب الديمقراطي، أي إبقاء السلطة قريبة من الشعب، ولتحقيق هذه الغاية تمسك الحزب بنظام فدرالي تكون فيه السلطة الأعظم في يد الولايات، وإن ممارسة السلطة المركزية يجب أن تكون بيد ممثلي السلطة التشريعية في الكونغرس في منع استعمال السلطة المركزية في قضايا مفوضة أصلا لممثلي الشعب . 

ولم يكن للحزب الديمقراطي " في بداية تأسيسه برنامج على مستوى عال ولا توجد استراتيجية تنظيمية يأخذ على عاتقها تنظيم عمل الحزب ووضع برنامج يمكن من خلاله فتح مكاتب للحزب في مختلف أنحاء الولايات الأمريكية ، وحتى الأندية المعروفة آنذاك "Jacobins".   ومن حسن حظ الحزب في بداية نشأته أنه ضم بين صفوفه سياسيين محنكين امتلكوا فن المراوغة السياسية واستطاعوا الترويج للحملات الادعائية، حتى وصفهم أحد المؤرخين قائلا :" إن الحزب الديمقراطي يمتلك مجموعة من السياسيين لديهم القدرة ليس في رؤية وتحليل المشاكل فحسب بل لتقديمها بطريقة مختصرة، والقابلية على صياغة العبارة الذكية والشعارات الجذابة ومناشدة جمهور الناخبين حول أي مسألة بلغة مفهومة "   ويقر الديمقراطيون بأن للشعب مصالح تحظى باهتمام أكبر من قبل قادة الحزب، " وإن حكومة الديمقراطيون ستصبح أكثر فعالية بالاحتفاظ بالسلطة داخل الولايات ووحدات الولايات، وبهذا فقد شجعوا على أهمية الحكم الذاتي المحلي مقابل تنامي السلطات والمهام الوطنية.  ثم تطور عمل الحزب السياسي حتى صارت له منابر تتحدث باسمه؛ منها صحف ومجلات استطاعوا من خلالها محاطبة الجمهور، وتطور العمل الحزبي حينما عمل على تكوين " لجنة وطنية يتكون أعضاؤها من ممثلين عن (ثلاث عشرة ولاية) مهمتها الترويج للمرشحين الذين يمثلون الحزب في الانتخابات، وبعد انتهاء الانتخابات تحل هذه اللجنة" 

إن ما تشهده الساحة  السياسة الأميركية اليوم من تجاذب واستقطاب بين الحزبين هو حصيلة تحولات تاريخية طويلة، غيرت التكوين الأيديولوجي والعرقي والجغرافي للحزبين، وخلقت بيئة تنافسية خصبة للمزيد من الجذب والاستقطاب. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية في كل انتخابات، نتوقع تزايد حدة المواجهات الاستعراضية بين قادة الحزبين. 

وختامًا، يختصر لنا ديك تشيني، النائب الجمهوري السابق والذي أصبح لاحقًا نائبًا للرئيس الأميركي جورج بوش، منطق الاستقطاب الحزبي حيث يقول:إن الاستقطاب مفيد جدًا في أغلب الأحيان. إذا سلكنا نهج التوافق والتنازلات في كل أمورنا، ولم تكن هناك قضايا حقيقية تفرقنا عن الديمقراطيين، ما الذي يدفع الناس لأن تتغير وتمنحنا الأغلبية؟

 

المصادر والمراجع:

أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث ، المجلس الوطني للثقافة والفنون الأدبي، سلسة عالم المعرفة، الكويت.

سلیمان الطماوي،1996، السلطات الثلاثة في الدساتیر العربیة المعاصرة وفي الفكر السیاسي الإسلام: دراسة مقارنة، ط. 5، دار الفكر العربي، لبنان.

رمزي الشاعر،  1979 ،الأیدیولوجیة وأثرھا في الأنظمة السیاسیة المعاصرة، د. ط، دار النھضة، القاھرة.

سعاد الشرقاوي،1982،  النظم السیاسیة في العالم المعاصر، ط.  2 دار النھضة العربیة، القاھرة.

إیھاب زكي سلام، 1983، الرقابة السیاسیة على أعمال السلطة التنفیذیة في النظام البرلماني، د.ط، عالم الكتب،  القاھرة.

موريس ديفرجية ، الأحزاب السياسية، ترجمة علي مقلد وعبد الحسن سعد، ط.3، نشر دار النهار، بيروت.

انطونیو غرامشي،1970 ، قضایا علم السیاسة في الماركسیة، ترجمة واھي شرفان وقیس الشامي، د.ط ، دار الطلیعة، بیروت.

ساندي ميزل، 2014، الانتخابات و الأحزاب السياسية الأمريكية ، ترجمة خالد غريب علي، ط. 1، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة.

ماجد محيي آل غزاي، حاكم فنيخ الخفاجي، إيمان صباح الجيلاوي،2017، الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية : دراسة في التطور التاريخي خلال القرن التاسع عشر،ط.1، دار الأيام للنشر والتوزيع.

.(Marcel Prelot,Science Politique,(P.U.F. Paris, 1967

.Burdeau G, Traite de Science Politique, Cite par. Menouni (A): Droit Constitutionnel

.(François Borella.Les Politiques Dans La France d’ aujourd’hui, (Paris.1981

.Quoted in: Edward stan wood, ahistory of presidenentied ctions , vei.i, boston , 1892

.Albert wood Burn , political parties and party in the u.s.a new york 1903

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia